مفهوم الفن - المحور الأول: ماهية الفن
المحور الأول: ما هو الفن؟
قبل الإجابة عن هذه الإشكالات من الضروري تحديد معنى
الفن وهو فاعلية إنسانية مثلها مثل الفعاليات الأخرى وهو عمل إنساني واع وحر يتطلب
الموهبة من جهة والمهارة من جهة أخرى كما أنه عمل ممتع غير قابل لتعلم بمعنى لا
يمكن إنجازه بمجرد معرفة قواعده، كما أنه ذو غاية جمالية وجدانية "لكن ما
الذي يميز الفن عن باقي الفعاليات الأخرى"؟ "وهل يعتبر العمل الفني
غبداعا لقيم جمالية إنسانية" أم أنه صنعة ونشاط حرفي تقني؟
* موقف إيمانويل كانط: Emmanuel Kant (1724-1804)
ميز الفيلسوف الألماني
"إيمانويل كانط" بين العمل الفني ومجموعة من الفعاليات الأخرى كالعمل
الطبيعي و العمل العملي، و العمل الحرفي. فالعمل الفني ناتج عن إرادة حرة عاقلة
وهو عمل حر أما العمل الطبيعي فهو خالي من أي تفكير عقلي بل هو ناتج عن طبيعة
غريزية. بالإضافة إلى أن الفن يمتاز عن العلم بكون هذا الأخير خاضع لقواعد منهجية
ومبادئ وقوانين ويتوخى منه مجموعة من الأهداف بينما لا يحتاج منا الفن لأي مهارة
أو معرفة أو قدرة على صنعه وإنجازه فهو يخرج عن المعتاد و المألوف وإن كان الفن
أيضا نشاط حر لا ينتظر منه الربح و الكسب فهو ليس وسيلة بل غاية في ذاته فإن الحرفة
هي نشاط خالي من أي إرادة حرة بل هي شاقة متعبة و وسيلة فقط لربح المال.
* موقف مارتن هايدڭر: Martin Heidegger (1889-1976)
يؤكد "مارتن هايدكر"
في محاضرته "أصل العمل الفني" على الطابع الشيء للآثار الفنية، وما يزيد
تأكيدا لذلك هو ما يلمس في المعمار الفني من حضور للحجر، أو الخشب أو الرخام في
المنحوتات الفنية و اللون في اللوحة و الصوت في الأثر اللغوي، و الرنين في الأثر
الموسيقي لكن حضور الشيء في المنتوج الفني ليس هو الذي يمنحه طابعا فنيا إبداعيا،
بل إحضار الشيء الغائب أي ما يحمله الأثر الفني من دلالات ورموز، وهذا البعد
التمثيلي و الرمزي هو ما يضفي على أي أثر مادي طابعا فنيا.
* استنتاج:
نستنتج من خلال تحليل النصين أن
العمل الفني هو عمل حر غايته في ذاته لا يخضع لقوانين أو قواعد ولا يتوخى منه ربح
مادي وهذا ما يميزه عن باقي الأعمال الأخرى كالعلم و الحرفة كما لماهية الفن قيمة
فكرية وتاريخية فلا يمكن إنكار ما للشيء المادي من حضور في عملية بناء الفن
فاللوحة الفنية هي قبل كل شيء مواد، فرشات، و أصباغ وقماش وإطار من خشب أو معدن
لكن هذه المواد تبقى لاشيء أمام إبداعية الفنان الذي يضع لمسته الإنسانية على هذه
العناصر المادية فيجعل الحياة تدب في أوصال اللوحة فيصبح المعنى و الرمز هو
جوهرها.