مفهوم الوعي/ محور الإدراك الحسي والشعور
المحور الأول: الإدراك الحسي والشعور.
I. موقف جون بيير شونجو: تحليل نص " الوعي نشاط عصبي فيزيولوجي"
1- إشكالية النص:
هل يمكن تحديد الوعي بدقة..؟
هل الوعي مفهوم فلسفي محض...؟ أم انه ظاهرة علمية يمكن مناولتها بشكل علمي دقيق...؟
2- أطروحة النص:
يرفض شونجو كعالم بيولوجي أن يكون الوعي موضوعا للدراسات الفلسفية واللاهوتية بل يجب تفسيره وإخضاعه للتجارب العلمية الدقيقة وأن كل نشاط عقلي هو عبارة عن نشاط عصبي مشروط فيزيولوجيا، فالحواس تتعرض إلى منبهات خارجية وتقوم بإرسالها إلى الجهاز العصبي للدماغ. وبالتالي كل نشاط عقلي هو نشاط عصبي.
3- البنية المفاهيمية النص:
* الوعي: هو نشاط عقلي مرتبط بخلايا الجهاز العصبي للدماغ ولا يمكن تصوره بدونه.
* الفيزيولوجيا: علم دراسة وظائف الأعضاء، وبصيغة أبسط فهو علم تشريح الكائن الحي.
* السيالات العصبية: هو تيار عصبي كهربائي ينقل إشارة من خلية عصبية إلى أخرى تتضمن رسالة.
* التمثل: هو الاستيعاب، أي عبارة عن صور عقلية ذات طابع مادي، لأنها مرتبطة بالخلايا والسيالات العصبية التي تغذيها وتفرزها.
* اللاهوت: علم يبحث في وجود الله وذاته وصفاته، ويقوم عند المسيحيين مقام علم الكلام عند المسلمين، ويسمَّى أيضاً عِلمَ الربوبيّة والإِلهيات.
* الجهاز العصبي: هو أحد الأجهزة التي تبدأ بالدماغ ثم يمتد نحو جميع أعضاء الجسم يحتوي على خلايا يتم التواصل فيما بينها عبر تيارات كهربائية.
4- البنية الحجاجية للنص:
التقنيات الحجاجية المستعملة عند شونجو هي:
* أسلوب التعريف: تحديد صاحب النص للوعي والنشاط العقلي معتبرا إياه نشاطا عصبيا مشروطا فيزيولوجيا.
* حجة النفي والإثبات: "ليس في هذا الأمر ما يقلقني..." "ليس النشاط العقلي سوى النشاط العصبي..."
* حجة السلطة: الاستشهاد بقولة "جاك مونو" كقولة تعكس سلطة علمية مستمدة من المكانة الرمزية التي يحتلها هذا العالم في إحداث تخصصات دقيقة وهي الكيمياء الإحيائية. مع توظيف مجموعة من المصطلحات العلمية "الخلايا العصبي، السُيالات العصبية.
* حجة الاستنتاج: حيث استعمل رابط لغوي هو لهذا... ليستخلص به رأيه في الموضوع المدروس، بعد ان قدم حجج تفيد ذلك.
استنتاج
ذكر شونجو في نصه ما يسمى بالخطابات الأدبية، والمقصود بها تلط الخطابات المعتمد للمنهج النظري في تناولها للقضايا، وفي مقابل هذا المنهج نجد منهج آخر يتسم بالدق والوضوح في نتائجه، وهو المنهج العلمي التجريبي. وشونجو ينتصر للمنهج العلمي في دراسة الوعي كظاهرة فيزيولوجية، ويعارض المنهج الأدبي الذي يتناول مفهوم الوعي كمفهوم مجرد. حيث يتحدد الوعي في المقاربة العلمية بكونه نشاطا عقليا يرتد إلى النشاط العصبي للخلايا الدماغية. فسواء كان هذا النشاط العقلي تفكيرا أو انفعالا أو شعورا أو وعيا بالذات، فهو في آخر المطاف نشاط عصبي مشروط فيزيولوجيا وهذا ما يتأكد من خلال الوظيفة التمثلية للعقل في علاقته مع الأشياء الخارجية.
II. موقف راسل: تحليل نص "مشكلة الوعي"
حلل برتراند راسل الوعي وربطه بالمدركات الحسية أو الخبرات الحسية حيث أكد على ضرورة عدم فصله (أي الوعي) عن مثيرات العالم الخارجي، فهو عبارة عن ردود أفعال اتجاه وسطه. هذا يعني أن الوعي طاقة تميز الإنسان عن الجمادات. ومن ثم فإن راسل أكد على تلازم الوعي مع حالة اليقظة، وليس مع حالة النوم أي أنه غير مستمر في الزمن. وأكد كذلك على ضرورة الانتباه إلى عامل اللغة لأنها، في نظره، جهاز ونظام غير منسق. وهنا نجده يميز بين نوعين من اللغة: لغة مرشدة تمكن من فهم طبيعة العالم الذي نتحدث عنه، ولغة مظللة وخداعة للتفكير. ومن ثمة فإن كثيرا من الفلاسفة الذين اعتمدوا عليها ظلوا وأظلوا. إن الوعي بالذات عند راسل يعني أمرين هما: دخول هذا الإنسان في علاقة مع العالم الخارجي، واكتشافه لذاته ولأفكاره ولعواطفه. أي أن هناك امتحانا للإنسان بإدراك وجوده الذاتي. وهنا يكمن مفهوم الوعي عند راسل. فعندما ندرك معطيات العالم الخارجي فإننا نكون، حسب راسل، فقط في مجال ردود الفعل اتجاه العالم، ونشترك في هذه الخاصية مع الجمادات. هذا يدل على أن الوعي لا يتحدد عند مستوى إدراك العالم الخارجي بل هو فقط رد فعل على النحو الذي تِؤذيه الحجارة والجمادات عموما.
مما سبق يتبين لنا أن الجزء الأساسي من مفهوم الوعي مرتبط بمدى إدراكنا للوجود الذاتي. وتحصل هذه العملية بواسطة الاستبطان، مما يدل على أن الاستبطان منهج يسمح ويمكن من ولوج العالم الداخلي في الإنسان وفهم علاقة الذات الواعية بمحيطها الخارجي، أي أنه في هذه الحالة لا يتعلق الأمر بشيء من بين أشياء العالم والجمادات بل بذات لها طبيعتها الخاصة بها. ومن ثمة فالشرط الأساسي لقيام الوعي وكل معرفة حسب راسل هو إدراك الوجود الذاتي للإنسان عن طريق الاستبطان، لأن الوعي ميزة خاصة بالإنسان، وليست فقط مجرد رد فعل اتجاه العالم الخارجي أو أنه فقط إدراك حسي له.