أحدث المقالات والدروس

اللغة والسلطة – الأولى بكالوريا شعبة الآداب والعلوم الإنسانية

author image

 


مجزوءة: الإنسان

مفهوم : اللغة

المحور الثالث: اللغة والسلطة 


تأطير إشكالي

لا يختلف اثنان حول أهمية اللغة، في تحديد الوجود الإنساني،  كما أنها تعتبر أبرز وأرقى أشكال الثقافة، بالإضافة إلى كونها تعتبر الوسيلة التي يتم من خلالها التعبير ويتحقق من خلالها التواصل سواء بين الإنسان وذاته أو بينه وبين العالم الخارجي. لكن وظيفة اللغة لا تنحصر في  تلك الوظائف، بل تتجاوزها إلى وظائف أخرى، يتعلق الأمر هنا بوظيفة السلطة، سواء تعلق الأمر بسلطة اللغة ذاتها، أو بسلطتها الاجتماعية والسياسية والايديولوجية. هكذا إذن يمكن أن نتساءل:

ما السلطة؟ وما اللغة؟ 

وما طبيعة العلاقة بين اللغة والسلطة؟ 

هل تمارس اللغة سلطة ما على الإنسان؟ 

وفيم تتجلى سلطة اللغة؟ 

وكيف تمارس سلطتها على الإنسان؟ 

هل تتجلى سلطة اللغة في قواعدها وضوابطها أم في وظائفها الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية؟

  • الأطروحة الأولى: جورج غوسدورف

تعريف جورج غوسدورف

جورج غوسدورف: فيلسوف فرنسي معاصر، عاش بين سنة 1912 وسنة 2000م، اهتم بدراسة العلوم الإنسانية. من مؤلفاته نذكر: “الكلام”، “العلوم الإنسانية والفكر”، “اكتشاف الذات”.

إشكال النص وأسئلته:

ما هي طبيعة العلاقة بين اللغة و العلاقات الإنسانية؟ 

هل استعمال الفرد للغة يكون استعمالا حرا، أم أنه خاضع للتراتب الاجتماعي؟ 

وكيف تتدخل اللغة في تنظيم الفكر وتنظيم العلاقات بين الناس؟

أطروحة النص :

كإجابة على الاشكالات والتساؤلات المطروحة، يؤكد جورج غوسدورف في نصه على أطروحة مضمونها أن  اللغة تمارس سلطة على الإنسان، وهذه السلطة مرتبطة بالعلاقات الاجتماعية وبالتراتبيات الاجتماعية.

تحليل أطروحة النص

  • الإطار المفاهيمي:

تتشكل أطروحة النص من مفهوم السلطة ومفهوم الكلمات ومفهوم التراتبية الاجتماعية ومفاهيم أخرى.

  • الإطار الحجاجي:

بالنسبة للبنية الحجاجية للنص فيلاحظ أنها تتشكل من العرض والتفسير والمثال. حيث نجد النص يقدم تفسيرا لما تحمله الكلمات من سلطة، وتفسيرا لعلاقة سلطة الكلمات بالتراتبية الاجتماعية. ونجده يقدم مثال “الاسم”، وذلك ليوضح كيف أن الإسم هو مجرد كلمة، لكنه يمارس علينا سلطة، وهو ما توضحه علاقة الزوج بالزوجة مثلا، فعدم مناداة الزوجة لزوجه باسمهم يجعله يشعر بالقلق، ويشكل تهديدا للتراتب الاجتماعي، وهذا دليل على سلطة تلك الكلمة التي يتم المناداة عليه بها والتي هي اسمه. ونفس الشيء يحدث حين لا ينادى على الشخص من طرف أصدقائه أو تلاميذه أو رئيسيه أو مرؤوسيه باسمه الذي يمثله.

  • الأطروحة الثانية: جورج غوسدورف وَ رولان بارت

من خلال أهمية موقف النص

تتجلى أهمية موقف النص في كشفه للطابع السلطوي للغة والكلمات، وفي توضيحه للعلاقة القائمة بين اللغة والتراتبية الاجتماعية. وبهذا يكون الموقف قد عالج موضوع اللغة في بعدها وعمقها الاجتماعي.    

 موقف فريدريك نيتشه 

لا يختلف كل من الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه والمفكر الفرنسي رولان بارت مع موقف النص، فهما أيضا يؤكدان على سلطة اللغة، لكنهما يختلفان في طبيعة تلك السلطة وفي كيفيتها.

في كتابه جينيالوجيا الأخلاق، يؤكد فريدريك نيتشه أن اللغة هي أداة لممارسة السلطة  وأنها هي التي تحفظ استمرارها، فاللغة من منظوره تتحدد في إطار الصراعات بين العبيد والأسياد، إذ يكون الأسياد هم من يطلقون التسميات، فنجدهم مثلا  يحددون الطيب ويحددون الخير والشر… أما بالنسبة للضعفاء فما عليهم إلا الامتثال.

وحتى يتضح هذا القول، يمكن أن نقف عند قول نيتشه التالي: “الطيبون أنفسهم، أي البشر الأقوياء… هم الذين اعتبروا أنفسهم “طيبين” وحكموا على أفعالهم بأنها طيبة”. ومضمون هذا القول، أن الطيب ليس طيبا في ذاته، وإنما نحن ننظر إليه على أنه طيب، والذي جعلنا ننظر إليه على أنه طيب هم الأقوياء، فالأقوياء حسب نيتشه هم من جعلوه طيبا، وكذلك بالنسبة للخير، الشر…

موقف رولان بارت

بالنسبة  لرولان بارت، فهو الآخر أكد على وجود ارتباط بين اللغة والسلطة، وهو ما يمكن أن نستشفه في كتابه “لذة النص”. ففي كتابه لذة النص يؤكد بارت أن اللغة ترسو في السلطة عبر آلية التكرار، والذي يسمح بتكرارها، هي المؤسسات، والتي نجد من ضمنها: المدرسة، الرياضة، الإشهار الأعمال الجماهيرية، الأغنية الإعلام…  فهذه المؤسسات تعمل على تكرار لغة ما، وبالتالي حفظها وجعلها ترسو مقارنة بلغة أخرى، وهذا ما جعل بارت يعتبر اللغة أداة إيديولوجية.

  • خلاصة تركيبية

هكذا إذن، يتضح لنا أن للغة سلطة، وأن سلطتها تتخذ عدة أشكال، وترتبط بمجموعة من المجالات، أما أشكالها فتتمثل في سلطة قواعدها الملزمة، كما تتمثل في سلطة التراتبيات الاجتماعية التي تتحكم في اللغة والكلمات، كما تتمثل في سلطة الأقوى على الأضعف وأيضا في استثماراتها السياسية والإيديولوجية. أما المجالات التي تحضر فيها اللغة كسلطة، فنجد المجال الاجتماعي والمجال الأخلاقي والمجال السياسي…